الأحد، 12 فبراير 2012

نزق الثوار

كي تكون ثائرا…. فيجب عليك أن تتحلى بالنزق…. فالثورة في النهاية هي حالة تجعل من الا معقول معقولا و تحتاج إلى تمرد غير مسبوق على كل شيء و على أي شيء
ما تشهده سوريا حاليا هو حالة ثورة مهما حاول المنظريين تقزيم الحراك و مهما حاول البعض التشويش عليه…. الانسان السوري الآن يتمرد على كل القضايا المسبقة التي عاش و تربى عليها…. و الثورات دوما لا تسير وفق قانون المعقول أو أحكامه…. فقد حدثنا التاريخ أن الشعوب حين تثور فهي تحدث زلزالا يهدم كل شيء و يسحق أي شيء يقف في وجهه…. تصبح كل الشعوب في وقت الثورات…. أفرادها و جماعاتها…. خارجة عن نطاق العقل و المنطق فلا تهدأ ولا تستقر و لا تستكين حتى يتغير الواقع الذي ثارت عليه كليا…. يقودها في زحفها هذا شيء واحد…. نزق الثوار…. فلا شيء يرضيهم إلا قلب كل شيء… ولا شيء يشبع غضبهم إلا تهديم
كل ما سبق…. و كل قطرة دم تسال تكون وقودا يزكي نار “النزق” و الاندفاع و الغضب
إن سوريا و منذ اللحظة الأولى لولادة الثورة تشهد معركة…. حربا حقيقية في كل المقاييس…. حربا بين الوشائج التي بنيت عليها وحدة هذا البلد…. حربا بين الفساد و الفساد…. بين الفساد و العدل…. بين العدل و العدل…. بين الأخ و أخيه…. بين الجار و الجار…. حربا تعصف و تهدم و تخرّب كل شيء…. حربا لم أسمع عن شبيه بها إلا في إسبانيا…. لن يكون هناك منتصرا في هذه المعركة…. سيخرج الكل مهزومين قولا واحدا…. لكن سوريا ستبنى من جديد…. و هذا هو الأمل
كي تنتصر في أي معركة لا بد لك أولا أن تدرك أنها معركة…. و حسبي أن من خرج من منزله في يوم من الأيام كان يدرك أنه قد لا يعود إليه مرة أخرى…. و كي تنتصر في أي معركة لابد لك أيضا أن تعرف من هو عدوّك…. فلا يمكن لثائر أو مقاتل أن يحارب الجميع…. و لكي تنتصر في أي معركة لابد لك من أن تعرف ما الذي تملكه أنت و ما الذي يملكه عدوّك من مصادر قوة و بقاء…. و لكي تنتصر في أي معركة لا بد لك أخيرا من أن تعرف من هو صديقك…. و لماذا هو صديقك
قد ينسينا نزقنا نحو الثورة كل ما سبق…. و قد تجعلنا ثورتنا من أجل الا معقول مجرد حالمين واهمين…. لكن مع التجربة تأتي الدلائل…. و مع الا منطق يولد المنطق…. فنقف عند بداية كل مرحلة نتفكر و لو قليلا كي نعيد ترتيب أسلحتنا و لندرس خصمنا و صديقنا على حد سواء ثم ننطلق من جديد فدماء الشهداء ستبقى دائما الوقود الذي يشعل الغضب فينا مهما طال الزمن و مهما اشتد سعير الملمات فينا
لابد للثورة من حشد أولا…. لا ثورة بفئة واحدة…. و لا ثورة بلون واحد…. فالثورة هي ذاك قوس القزح الذي يجمع كل المستضعفين…. هي الأنصار و المهاجرين…. هي العمال و الفلاحين…. هي الجياع و المساكين…. هي كل حالة من التلاحم و وحدة الحال بين الجميع…. إن لم تحشد الثورة كل الفئات فستتنهي كزوبعة في فنجان حسبها شرف المحاولة…. و سيكتب التاريخ عنها أنها حركة تخريب و غوغاء…. ” طوشة” البعض على البعض الآخر…. تمرد البعض على البعض الآخر
في سوريا لم ينته الحشد بعد…. فلم يزل المستضعفون مستضعفون… و طوبى لهم فهم من سيرث الأرض…. لكنهم لن يستطيعوا وحدهم التغيير….. لا بد لهم من التجمع و الالتقاء كحبات المطر التي تجتمع حتى تنتج السيل الغزير الجارف الذي سيسحق كل من يقف في وجهه…. لابد للثورة أن تستكمل حشدها…. لابد للأنصار أن يلقو المهاجرين….. هذا حشد لابد منه…. ولا بد لنزق الثائرين أن يجتمع…. نزق الثوار يسير كقافلة لا تأبه…. لا يأبه النازقين الغاضبين للزمن…. حسبهم أنهم على الطريق الصحيح
إن كانت الثورة ماضية…. فليس لأحد الفضل في ذلك…. قد يعزز البعض نزق الثائرين…. قد يبدأ أعداها بحشد مقابل…. قد يشوش عليها الكثير الكثير….. قد يستعجلها البعض…. و قد يمل البعض الآخر…. لكن الثورة تتابع و  تحشد المزيد معها يوما بعد يوما….. و هي تنذر الجميع بطوفانها و فيضانها…. قد تراها بعيدة لكنا نراها قريبة قادمة رغم أنف الجميع
إتركوا الثورة تحشد و تستجمع قواها…. إفسحوا المجال للنازقين كي ينضموا لهذا السيل الجارف…. لا يغرنكم حجم القتل و الدمار…. فالقادم مذهل أكثر…. تمتعوا بنزق الثوار فهم من باع نفسه و ماله و لم يعد يأبه لكم و لترهاتكم…. إن الثورة تعني اللا معقول…. لن تتسع مخيلتنا لما هو غير معقول…. إنه النزق الذي يريد أن يستجمع كل شيء…. حتى يهدم كل شيء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق